عدد المساهمات : 38 نقاط : 76 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 09/09/2010 العمر : 35 الموقع : http://www.samozaen.com/phpBB3/index.php
موضوع: كِتاب الصيَام (1) الجمعة 10 سبتمبر 2010, 2:01 pm
أصله في اللغة : الإمساك. وفي الشرع: الإمساك عن المفطرات مع النية، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وصيام شهر رمضان، هو الركن الثالث من أركان الإسلام.
والصيام من أفضل العبادات، لأنه تجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة:
1- الصبر على طاعة الله 2- والصبر عن معاصي الله 3- والصبر على أقدار الله المؤلمة. ولأن الله تعالى نسب الصوم إلى نفسه، ووعد بالجزاء عليه من قِبَلِه سبحانه. ولأنه سرٌّ بين الرب وببن عبده، فهو من أعظم الأمانات. أما حِكَمه وأسراره فليس في مقدور هذه النبذة المختصرة أن تبين ذلك. وإنما أشير إلى قليل من كثير، ليعلم القارئ شيئاً من أسرار الله في شرعه، فيزداد إيماناً ويقيناً في وقت تزعزعت فيه العقائد، وتضعضع فيه الإيمان. فإنا لله، وإنا إليه راجعون.
فمن تلك الحكم السامية عبادة الله، والخضوع له، ليكون الصائم مُقْبلاً على الله تعالى، خاضعاً خاشعاً بين يديه، حينما ينكر سلطان الشهوة. فإن القوة تغرى بالطغيان والبطر{كَلاَّإِنَّ الإنسانَ لَيَطْغَى أنْ رآهُ استغنى}.
فليعلم أنه ضعيف فقير، بين يدي الله حينما يرى ضعفه وعجزه فينكر في نفسه الكبر والعظمة، فيستكين لربه، ويلين لخلقه.
ومنها، حكم اجتماعية، من اجتماعهم على عبادة واحدة، في وقت واحد، وصبرهم جميعاً، قويهم وضعيفهم، شريفهم ووضيعهم، غنيهم وفقيرهم، على معاناتها وتحملها، مما يسبب ربْطَ قلوبهم وتآلف أرواحهم، وَلَمِّ كلمتهم. وليس شيء أقوى من هذه الإرادة المتينة، التي لا تحكمها أقوى الدعايات. كما أنه سبب عطف بعضهم على بعض، ورحمة بعضهم بعضاً، حينما يُحِس الغنَي ألم الجوع ولَدْغَ الظَّمأ.
فيتذكر أن أخاه الفقير يعاني هذه الآلام دَهْرَه كله، فيجود عليه من ماله بشيء يزيل الضغائن والأحقاد، ويحل محلها المحبة والوئام، وبهذا يتم السِّلْمُ بين الطبقات.
ومنها، حكم أخلاقية تَربوِية، فهو يعلِّم الصبر والتحمل، ويقوي العزيمة والإرادة، ويُمَرِّن على ملاقاة الشـدائد وتذليلها، والصعاب وتهوينها. ومنها حكم صِحَّيَّة، فإن المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء. ولابد للمعدة أن تأخذ فترة استراحة واستجمام، بعد تعب توالي الطعام عليها، واشتغالها بإصلاحه. هذه نبَذة يسيرة إلى شيء من حكم الله تعالى وأسراره. واستقصاء ما يحيط به العقل البشري يحتاج إلى تصانيف مستقلة، وفضلاً عما لا يعلمه إلا الله تعالى من الأسرار الحكيمة الرشيدة.
الحديث الأول
عَنْ أبي هُريرة رضي الله عَنْهُ قال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين . إلا رجل كان يصوم صوما ، فليصمه الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1082 خلاصة حكم المحدث: صحيح
الغريب : لاتَقَدَّموا: بفتح التاء والدال، على حذف تاء المضارعة، لأن أصله لا تتقدموا..
المعنىالإجمالي : الشارع الحكيم يريد التمييز بين العبادات والعادات، ويريد أن يميز بين فروض العبادات ونوافلها ليحصل الفرق ببن هذا وذاك. لذا فإنه نهى عن تقدم شهر رمضان بصيام يوم أو يومين أو نحو ذلك ليكون مفطراً مستعداً لصيام شهر رمضان، إلا من كان له عادة من صوم كيوم الخميس أو الاثنين أو قضاء تضايق وقته، أو نذر لزمه، فليصمه لأنه تعلق بسببه. بخلاف نفل الصيام المطلق فأقل ما فيه الكراهة.
ما يؤخذ من الحديث : 1- النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين. 2- الرخصة في ذلك لمن صادف قبل رمضان له عادة صيام، كيوم الخميس والاثنين. 3- من حكمة ذلك- والله أعلم- تمييز فرائض العبادات من نوافلها، والاستعداد لرمضان بنشاط ورغبة، وليكون الصيام شعار ذلك الـشهر الفاضل المميز به.
الحديث الثاني
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضي الله عنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له . الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1900 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الغريب :
غم عليكم: بالبناء للمجهول استتر عليكم بحاجب، من غيم وغيره (غم) بضم الغين المعجمة، وتشديد الميم. فاقدروا له: يعني قدروا له في الحساب، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً. وقيل : معناه "اقدروا" ضيقوا، بأن يضيق على شعبان، فيجعل تسعاً وعشرين يوماً. وعلى هذين التفسيرين، حصل الخلاف الآتي: ويجوز الضم والكسر في (دال)- اقدروا له. قوله: "فصوموا" يريد أن ينوى الصـيام وتبيت تلك النية إلى الغد. وكذلك في قوله : "فأفطروا".
المعنى الإجمالي : أحكام الـشرع الشريف تبني على الأصل، فلا يعدل عنه إلا بيقين. ومن ذلك أن الأصل بقاء شعبان، وأن الذمة بريئة من وجوب الصيام، مادام أن شعبان لم تكمل عدته ثلاثين يوماً، فيعلم أنه انتهى، أو يرى هلال رمضان، فيعلم أنه دخل. ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم، أناط صيام شهر رمضان، وفطره برؤية الهلال. فإن كان هناك مانع من غيم، أو قتر، أو نحوهما، أمرهم أن يقدـروا حسابه. وذلك بأن يتموا شعبان ثلاثين، ثم يصوموا. لأن هذا بناء على أصل "بقاء ما كان على ما كان". اختلاف العلماء : اختلف العلماء في حكم صيام يوم الثلاثين من شعبان إذا كان في مغيب الهلال غيم، أو قتر، أو نحوهما من الأشياء المانعة لرؤيته. فالمشهور في مذهب الإمام "أحمد" الذي قال كثير من أصحابه: إنه مذهبه- هو وجوب صومه من باب الظن والاحتياط، واستدلوا على ذلك بقوله: "فاقدروا له" وفسروها بمعنى: ضيقوا على شعبان، فقدروه تسعة وعشرين يوماً. وهذه الرواية عن الإمام "أحمد" من المفردات، وهي مروية عن جملة من الصحابة، منهم أبو هريرة، وابن عمر، وعائشة، وأسماء. وذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة "أبو حنيفة " و"مالك" و"الشافعي" إلى أنه لا يجب صومه، ولو صامه عن رمضان لم يجزئه. واختار هذا القول، شيخ الإسلام "ابن تيمية" وقال: المنقولات الكثيرة المستفيضة عن أحمد، على هذا. وقال صاحب "الفروع": لم أجد عن أحمد صريح الوجوب ولا أمر به ولا يتوجه إضافته إليه. واختار هذه الرواية من كبار أئمة المذهب "أبو الخطاب"، و"ابن عقيل". ودليل هذا القول ما رواه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً : " صُومُوا لِرُؤيتهِ، وأفْطِروُا لِرؤيتهِ، فَإن غُمَّ عَلَيكم فَأكْمِلوا عِدَّةَ شعْبَانَ ثَلاِثين يَوماً". وهذا الحديث وأمثاله يبين أن معنى " فاقدروا له، يعني قدروا حسابه بجعل شعبان ثلاثين يوماً. وقد حقق " ابن القيم" هذا الموضوع في كتابه "الهدي" ونصر قول الجمهور، ورد غيره، وبين أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة قول صريح، إلا عن ابن عمر الذي مذهبه الاحتياط والتشديد. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن إيجاب صوم يوم الشك لا أصل له في كلام أحمد، ولا كلام أحد من أصحابه وإن كان بعضهم قد اعتقد أن من مذهبه إيجاب صومه. ومذهبه الصريح المنصوص عليه هو جواز فطره وجواز صومه وهو مذهب أبي حنيفة ومذهب كثير من الصحابة والتابعين. وأصول الشريعة كلها مستقرة على أن الاحتياط ليس بواجب ولا محرم. واختلفوا فيما إذا رُئي الهلال ببلد، فهل يلزم الناس جميعاً الصيام أم لا؟. فالمشهور عن الإمام، "أحمد" وأتباعه، وجوب الصوم على عموم المسلمين في أقطار الأرض، لأن رمضان ثبت دخوله، وثبتت أحكامه، فوجب صيامه، وهو من مفردات مذهب أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة أيضاً. وذهب بعضهم إلى عدم وجوبه، وأن لكل أهل بلد رؤيتهم، وهو مذهب القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وإسحاق. لما روى كريب: قال قدمت الشام، واستهل رمضان وأنا بالشام، فرأينا الهلال ليلة الجمعة. ثم قدمت المدينة في آخر الشهر. فسألني ابن عباس، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فأخبرته. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟. فقال: لا. "هكذا أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم" رواه مسلم. وذهب الشافعي في المشهور عنه إلى التفصيل. وهو أنه، إن اختلفت المطالع، فلكل قوم حكم مطلعهم. وإن اتفقت المطالع، فحكمهم واحد في الصيام والإفطار، وهذا اختيار شيخ الإسلام "ابن تيمية". وذكر الشيخ محمد بن عبد الواهب ابن المراكشي في كتابه "العذب الزلال في مباحث رؤية الهلال" أنه إذا كان البعد بين البلدين أقل من 2226 من الكيلو مترات فهلالهما واحد، وإن كان أكثر فلا. ما يؤخذ من الحديث : 1- أن صيام شهر رمضان معلق برؤية الناس أو بعضهم للهلال، وردَّ ابن دقيق العيد تعليق الحكم به على حساب المنجمين وبين الصنعاني أنه لو توقف الأمر على حسابهم لم يعرفه إلا قليل من الناس. والشرع مبني على ما يعرفه الجماهير. 2- وكذلك الفطر معلق بذاك. 3- أنه إن لم يُرَ الهلال لم يصوموا إلا بتكميل شعبان ثلاثين يوماًً. وكذلك لم يفطروا إلا بتكميل رمضان ثلاثين يوماً. 4- إنه إن حصل غيم أو قتر، قدروا عدة شعبان تمام ثلاثين يوماً. وقال الصنعاني: جمهور الفقهاء وأهل الحديث على أن المراد من "فاقدروا له"، إكمال عدة شعبان ثلانين يوماً كما فسره في حديث آخر. 5- أنه يجب الصيام يوم الثلاثين من شعبان، مع الغيم ونحوه.